فوكو: شجب علاقات السلطة الخفية.
فوكو: شجب علاقات السلطة الخفية.
13 سبتمبر 2008
فهد الشقيران
كتيّب صغير، من تأليف: فريدريك غرو، تحت عنوان "ميشيل فوكو" وقد ترجمه: محمد وطفه، صدر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، يقع في 159 صفحة من القطع الصغير، وهو كتيب يسهّل على القارئ العادي المبتدئ في الفلسفة الغوص في فلسفة ذات طابع "انقلابي" أو "إشكالي" كما هي فلسفة الفرنسي "ميشيل فوكو" الذي لم يكن تقليدياً في تعاطيه مع الفلسفة على الإطلاق، بل هو يعرّف الفلسفة بأنها "فحص وتشخيص الصيرورات الراهنة" أو على حد شرح غرو فإن "مهمة الفيلسوف بنظر ميشيل فوكو تتمثل في شجب علاقات السلطة الخفية، وإثارة المقاومات وإتاحة الفرصة للأصوات المخنوقة بالتعبير عن ذاتها". يقسم المؤلف كتابه إلى مقدمة في سيرة فوكو الذاتية، تليها فصول ثلاثة هي: 1-أركيولوجيا العلوم الإنسانية.2-السلطة وكيفية الحكم. 3-ممارسات إسباغ الطابع الذاتي.
فوكو من الفلاسفة الذين طغت أخبار سيرتهم الذاتية على فهم فلسفته، كانت أخباره تشبه أخبار نجوم السينما والفن، وقد خص المؤلف لمعالم سيرته الذاتية بضع صفحات. ربما من أبرز معالم سيرة فوكو التي ساهمت في توجيهه إلى الحقل الفلسفي "القلق" الذي بدا عليه وهو خائف من الموت، وذلك حينما تم اغتيال المستشار دولفيس، وكان حينها في الثانوية، يقول عن ذلك الخوف "لقد شكل ذلك خوفي الأول والكبير بما يتعلق بالموت". كما أن الدروس الفلسفية التي تلقاها في ثانوية هنري الرابع من قبل جان إيبوليت "وهو من كبار مترجمي هيغل ومن المختصين في مناقشة أفكاره" كان له أكبر الأثر على فوكو، وفي أحد إهداءاته كتب فوكو إهداءه إلى إيبوليت ووصفه بالاستاذ العظيم الذي له عليه كل شيء. كما مر بأزمة حادة على إثر محاولته الانتحار عام 1948 حينما تم عزله في غرفة لمرضى المدرسة، وحينما تم اتهامه بالنزوع إلى الكحول عام 1950 تمت معالجته النفسية حتى تعافى ووطد صداقات مع الفيلسوف بيار بورديو، وب.فين، وج.ك.باسرون، وألتوسير.
تعلق فوكو بشدة في التاريخ، هذا مع ولعه بالفلسفة، كما تخصص في العلوم الإنسانية وبعلم النفس بالذات، وقد أثمر هذا التنوع في الاهتمامات شمل الكثير من جوانب العلوم الإنسانية. كتب فوكو "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" يخص غرو هذا الكتاب بمباحث يدرس فيها الجنون في كتاب فوكو، مرة بوصفه موضوعاً متخيلاً، كما يعرض على الجنون المتعقّل، والجنون كهذيان، والجنون في المصح العقلي، وودلادة علم النفس حيث رأى فوكو أن "علم الإنسان بدأ ببناء نفسه، انطلاقاً من التجربة الانتربولوجية للجنون".
وفي مسار أركيولوجي آخر قام فوك بتأليف "ولادة العيادة"؛ يسأل فوكو "كيف نفهم تجلي النظرة العيادية لهذه النظرة الطبية التي تسبر أحجام الجسد من أجل أن تكشف فيه أشكال الأذى؟" وكما يكتب غرو بالفعل فإن فوكو منذ "الأسطر الأولى ينبهنا إلى أن المسألة التي يطرحها الكتاب هي المدى، واللغة، والموت، إنها مسألة النظرة! كيف تشكلت النظرة العيادية؟ أي نظر طبيب القرن التاسع عشر إلى جسد المريض إنطلاقاً من المكان ومن لعبة اللغة ومن تفحص الأجساد الميتة، ومن دراسة الجثث؟".
وفي طرحٍ مغاير، يبدأ فوكو في عام ومنذ عام 1961 إلى 1966 في كتابة مقالات تحاول أن تجيب على سؤال "ما هو الأدب" وقد جمعت هذه المقالات في كتاب "أقوال وكتابات". فوكو يرى في الأدب "كون اللغة" وفوكو كاتب بليغ ونصوصه الفرنسية تبرهن على أسلوب أدبي خلاّب، فهو يصف الأدب بأنه "المكان الملتبس والعميق، حيث لم تعد الكلمات تردّنا إلا إلى الكلمات، وحيث لم تعد اللغة لتنطق إلا باللغة" يصف غرو الأدب بالنسبة لفوكو بأنه "الهمس".
أما في كتابه "الكلمات والأشياء" الذي يوصف بأنه الكتاب الأشد إثارة للسجالات بعد كتاب "نقد العقل المحض" لكانط، فيقوم فوكو بتحليل الخطابات، يصف غرو هذا الكتاب بالنص الآتي: (سرعان ما استوى هذا الكتاب، وهو تاريخ للعلوم، أي الفرع الذي لا يحظى بالتأييد الشعبي والمتميز أيضاً بالتعقيد والقراءة الصعبة، وبدمجه لأربعة قرون من الفكر الغربي، لقد بقي في القمة من مبيعات كتب العلوم الإنسانية، ونفذت الطبعة الأولى منه خلال أربعة أشهر، كما استطاع الإعلان النبوي الغنائي عن "موت الإنسان" والذي جاء في نهايته، أن يؤثر في الأفكار التي لا تتمتع بالأحاسيس النظرية الجيدة) ص49.
في الفصل الثاني، يعرض غرو إلى نتاج فوكو الأشد أهمية وهو المتعلق بالسلطة، وكيفية الحكم، وهو الإنتاج الذي نثره فوكو في "أركيولوجيا المعرفة" و "نظام الخطاب" و "إرادة المعرفة" و "الرقابة والعقاب" و "ينبغي الدفاع عن المجتمع". أما في الفصل الثالث، فيقوم المؤلف بتسطير فصلٍ على مستوى كبير من الأهمية تحت عنوان "ممارسات إسباغ الطابع الذاتي" يتعرض فيه للأفكار التي طرحها فوكو في آخر مرحلة إنتاجه العلمي، مثل نص "ما هي الأنوار" الذي جاء كجواب على سؤال كانط الشهير المطروح بنفس الصيغة، وفي قسم آخر يعرض المؤلف تحت فصل "استخدام اللذات" لكتابات فوكو الجنسانية، ومشروعه الذي أعلن عنه منذ السبعينيات عن "تاريخ الجنس".
لقد هدف فوكو في فلسفته إلى إدراك أبعاد تمكننا من "تغيير حيواتنا" وقد حاول فوكو أن ينجز هذه المهمة وقد نجح وبالذات في فرنسا، حيث ساهمت الأجهزة المعرفية التي ابتكرها فوكو في تنظيف الطبقات الاجتماعية المعزولة من الممارسات الشائنة، كما هو الحال في تطور السجون وأنظمتها كما تطورت المصحات.أما الفلسفة فقد تأثرت بالأدوات التي سنّها فوكو والتي باتت تستخدم في مختبرات البحث والتحليل الفلسفي والاجتماعي والأدبي، ليصبح من أبرز الفلاسفة والمفكرين والمثقفين المعاصرين ومن أشدهم تأثيراً، لقد كان يدعو إلى الشجاعة في الحقيقة بل هو دعى إلى "الوقاحة" ووصفها بأنها هي من يستنبط الحياة الحقيقية، وهي من يظهر الحقيقة إلى الوجود.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية