سؤال الديموقراطية في المجتمعات الأمية
سؤال الديموقراطية في المجتمعات الأمية
21 فبراير 2011
فهد سليمان الشقيران
(كارل بوبر)
العالم العربي اليوم يشهد حالة غليان شديدة واستثنائية، تمثلت في تظاهرات، وفي أماكن أخرى بدت كثورات عارمة كبيرة، تتنوع المطالب من التنمية والديموقراطية إلى القضاء على الفساد مرورا بالحديث عن مطالب تفصيلية فردية تمس الفرد المتظاهر نفسه. سأقف هذه المرة مع حديث المطالبة بالديمقراطية، وعن إمكانية تحققها في مجتمعات أميّة. كان كارل بوبر يقول: "يجب حماية الديمقراطية من غير الديموقراطيين" والسجال بين الفلاسفة حول التطبيق للديموقراطية على المجتمعات لا يزال شديداً ومحتدماً. براتراند راسل يقول: "إن الديموقراطية تكاد أن تكون مستحيلة التطبيق في شعب جاهل، وهي ترتبط بالتعليم والثقافة".
كارل بوبر جاء بعد هيغل وهو من أشرس نقاد فلسفة هيغل وفي نظريته حول "المجتمع المفتوح وأعداؤه" ربط بين الديموقراطية ومستوى تحضر الشعب بحيث يصل إلى حالة احتياج للنظام الديموقراطي، فالثقافة الديموقراطية لدى بوبر تسبق تطبيق الديموقراطية الآلي. أما الفيلسوف الألماني هيغل فهي نقيض رؤية بوبر وراسل، يكتب:"إن الشعوب ليست قاصرة ولم تكن قاصرة في أية مرحلة من المراحل على الإطلاق". يستمر هيغل: "إن تطبيق الديموقراطية بين شعب تغلب عليه الأمية ستكون عرجاء أو فاسدة أو ناقصة لكنها ستكون ديموقراطية على أي حال وسيكون وجودها أفضل بكثير من انعدامها، فالناس تمارس الديموقراطية وتخطئ".
يرى هيغل أن: "أفضل علاج لأخطاء الديموقراطية هو المزيد من الديموقراطية فالممارسة تصحح نفسها باستمرار وتعدل من أخطائها إلى أن تصل إلى الحد الذي نرجوه إننا هنا أمام تدريب يشبه تدريب المواطن على قيادة السيارة لا يمكن أن يؤجل بحجة أنه يقع في أخطاء، لا وصاية على الشعب حتى ولو كان أمياً متخلفاً لأنه هو في النهاية صاحب المصلحة الحقيقية".
كتبتُ من قبل رؤية "أريك هوبزباوم" حول آلية الانتخاب وصدقيتها في تمثيل الشعب، لكنني اليوم أعرض الخلاف والسجال بين الفلاسفة حول الاحتياجات الأولية من أجل تطبيق الديموقراطية على المجتمعات. الحالة العربية التي تعصف بينها وبين نفسها غلياناً وهياجاً تعبر عن أسى عميق من الرداءة التي أحاطت بحياتهم، وهو غليان مفهوم للغاية. لكن الطريق إلى الديموقراطية المدنية يجب أن تحصن ضد الاختراق الأيديولوجي، ومن استغلال غير الديموقراطيين للديموقراطية وهي الرحلة التي لم تبدأ بعد.
هيغل المناصر لتطبيق الديموقراطية على كل المجتمعات في أسرع وقت، هو ذاته الذي طالب بـ"ثورة علمية" تسبق "الثورة العملية". بغض النظر عن السجال الدائر والحامي حول إيجابية الثورات الحاصلة وسلبياتها فهذا ليس موضع نقاشي الآن فإن الثورات العلمية هي الطريقة الأولى والأساسية للدخول في أي عملية إصلاح مدني وديموقراطي. المجتمعات الأمية ستكون صدقية انتخابها مهزوزة لأن الاستقلال الذاتي في الانتخاب واتخاذ القرار يأتي مع الاطلاع والمعرفة والقدرة على التجرد والاختيار الشخصي المبني على تفكير طويل تجاه الشخصية المنتخبة.
حين طبقت الديموقراطيات -التي جاءت عبر الانقلابات- الديموقراطية هيمن عليها العسكر، وصار الرئيس يفوز بنسبٍ خيالية، وبات "التوريث" أحد وجوه "الجمهورية"، فطمس الفرد وأزهق مفهوم الديموقراطية من أساسه. إن الحصانة الأولى لأي مفهوم أن يسبق بمعرفة بطبيعته، والمجتمعات التي تعجبها المفاهيم لا يكفي أن تراها وتنتمي إليها بوصفها حلاً سحرياً.
هذه الاضطرابات الحاصلة يجمع حتى الذين يرون فيها كبير فائدة أنها ربما تثمر عن: "ديموقراطية غير مرتبة ويسودها الاضطراب والفوضى" كما تقول وزيرة الخارجية كوندليزا رايس. تحتاج الديموقراطية دائماً إلى أرضية خصبة تنبت عليها، والمفاهيم لا تزرع بالقوة، بل تأتي ببذورها رياح التغيير الفكري والذهني حينها تنبت ظروف تطبيقها حتى من دون أن نشعر.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية