الخميس، 1 مارس 2012

العلم يخفف من مستوى "الخوف"

العلم يخفف من مستوى "الخوف"

1 يونيو 2009
فهد الشقيران

من الضروري التفريق بين "الخوف" و "القلق" ذلك أن الخوف ينصبّ في الغالب على مواضيع ومصائر، بينما "القلق" إحساس من قبل الموجود بثغرات تتعلق بمعلوماته عن وجوده، وقد يفرّغ القلق من المسببات فيصبح مفتوحاً، وغفلاً من الأسباب، وهو القلق الغامض، كما أن القلق يرتبط كثيراً بمستوى "التفكير" فهي صفة ملازمة للمفكرين والفلاسفة، لذا كان "القلق" موضع ثناء في كثير من مدونات التاريخ أو السيَر، انظر مثلاً كتاب عبد الرحمن بدوي (شخصيات قلقة). لكن الخوف حالة مختلفة عن حالة القلق، فالخوف يشترك الناس في الإحساس به، مهما تضاءلت أسئلتهم الكبرى، الخوف إحساس له طابع حياتي يومي، أن يخاف الإنسان باستمرار من "مصير" أو أن يخاف على أولاده وذويه من الكوارث والمصائب التي تأتي بغتةً من دون سابق إنذار.

لم يوجِد الإنسان بعد وصفة سحرية تمكّنه من هزيمة الخوف، يتحدث برتراند راسل عن هذا قائلاً: (الإنسان يشعر بنفسه عاجزاً على نحوٍ خاص، وهناك ثلاثة أشياء تخيفه، الأول: هو ما يمكن أن تفعله به الطبيعة، تصعقه، أو تبتلعه أو تغمره بزلزال، والثاني: هو ما يمكن أن يفعله به البشر الآخرون، والثالث: وهو عنصر له علاقة متينة بالدين، هو ما يمكن أن تدفع به انفعالات الهوى في عنف اندفاعها للقيام بأشياء يعرف أنه سيندم على القيام بها عندما يستعيد هدوءه، هذا ما يجعل الناس يعيشون في حالة من الهلع الدائم) يوضّح راسل في نصه السالف إلى أن الخوف حدّ الهلع الذي يسيطر على الناس في يومياتهم المعتادة مردّه إلى "العجز" فحينما يشعر الإنسان بعجّزه عن التحكّم في المصير أو المآل الذي يمكن أن يصبغ لحظاته الآتية يشعر بالخوف والترقب، لذا هو في حالة استنفار مستمرة.

(براتراند راسل)

 

إن أعنف أنواع الخوف أن يجبن الإنسان عن مواجهة ما يخاف منه، ولو على مستوى التفكير، أن يحوّل ذلك الخوف السطحي اليومي إلى محرضٍ يمكّنه من التفرد بذاته، والوصول إلى حالةٍ من الاستقلال في الرأي أو الاستقلال في البداية في تفسير معنى "الخوف" والخروج من أزمة ذاتية قوامها "الأميّة في مواجهة فحوى الخوف" وذلك عبر هجر الجهل والبدء في دراسة الذات والعالم والوجود والكون والمحيط ليصل إلى مرحلةٍ من التعلم والكدّ والبحث تساهم في "عقلنة الخوف".

عمانويل كانط في نصه الشهير (ما الأنوار) يستنكر حالة الخوف من الاستقلال كاتباً:(إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلّون-عن طيب خاطر- قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم منذ مدة طويلة، من كل قيادةٍ خارجية، والذي يجعل آخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم، إنه من المريح جداً أن يكون المرء قاصراً إذا كان لدي كاتب له فهم نيابة عني، وواعظ له ضمير نيابة عني، وطبيب يحدد لي نظام تغذيتي، فإني لن أحتاج إلى أن أجتهد بنفسي، ليس من الضروري أن أفكر مادمت قادراً على آداء الثمن؛ ذلك أن الآخرين سيتحملون هذا العمل المزعج نيابة عني، أما أن الأغلبية الساحقة من الناس يعتبرون أن الخطوة نحو الرشد فضلاً عن أنها شاقة خطيرة جداً كذلك، فهذا ما سبق أن دبّره أولئك الأوصياء الذين يتحملون الإشراف العام عليهم بطيبوبة تامة فبعد أن يجعلوا أولاً ماشيتهم مغفلة وبعد أن يحرصوا بعناية على ألا يسمح لهذه المخلوقات الهادئة بأن تتجرأ على القيام بخطوة واحدة خارج عربة المشي التي حرسوا داخلها، بعد ذلك يبينون لهم الخطر الذي يتهددهم إذا ما حاولوا المشي بمفردهم، صحيح أن هذا الخطر ليس بالذات جد كبير لأنهم سينتهون بتعلم المشي بعد أن يسقطوا بضع مرات؛ إلا أن مثالاً واحداً من هذا النوع يثير الوجل لدى المرء ويردعه عموماً عن القيام بمحاولاتٍ أخرى).

في ذلك النص المعبّر يتحدث كانط عن السخف الذي يمارسه الأوصياء لاعبين على وتر "التخويف"، وهو ما يُشاهد فعلاً الآن عبر تخويف الخائفين، تحت مسمياتٍ متعددة جماعها "الزجر" و "التخويف" وبثّ جميع أساليب "الخرافة"، إن العلم يخفف مستوى "الخوف" ويطوّره من يوميته المحدودة ليتحوّل إلى "جمرْ" أحمر ينبض بأسئلة علمية متقنة، يتمسّك بها المتعلم والقارئ بنواجذه بحثاً عن إجابات أو مقاربات، ذلك "الولع" بالمعرفة سيصبح هو شكل "القلق" المفيد والمحمود وهو القلق الذي لازم المفكرين والفلاسفة وعباقرة العلوم. وأبرز الأدلة على تضاؤل الخوف مع ازدياد العلم الأمان النسبي الذي يحققه تكذيب العلم "للخرافة" وتطهير الذات من أردانها، إن تعطيل مفعول الخرافة المعشش في الذهن يساهم في الخروج من دوامة عنيفة من دوامات الخوف، إن الانشغال المتكلّف بأساليب الأنس لا يطرد الخوف، ولا يجلب السعادة، وإنما التفرّد والاستقلال بالذات خارج تكتلات التجهيل هي الخطوة الأولى نحو طريق مختلفة، تنقل الكائن من "خوف" رخيص، إلى "قلق" نابض، إلى احتراق منتج.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية